ملحوظة: لقد تم إغلاق باب التبادل الإعلانى البنرى حتى إشعار آخر .
مدونة مدون
مدونة مدون
الأحد، 12 يناير 2014
3:45 م


  • جامعة عبد المالك السعدي
    الكلية المتعددة التخصصات
    تطوان

    عرض حول الحكامة المحلية بين اللاتركيز واللامركزية


    المقدمة
    أمام التحولات الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ميزت السنوات الأخيرة، وأمام حجم التحديات والرهانات الجديدة ، وجدت الإدارة المحلية نفسها مدعوة ليس فقط لمتابعة جهودها في مجال التنمية وتطوير التجهيزات الأساسية ، بل أيضا للقيام بمهام أخرى ذات أهمية خاصة كتهيئة الظروف الملائمة لأجل تشجيع القطاع الخاص وإقامة علاقات جديدة مع شركاء وفاعلين آخرين.
    فقد مر التنظيم الإداري للدولة الحديثة بعدة مراحل تخللتها أشكال مختلفة من الهياكل، ولعل التنظيم الإداري الحالي يشكل أهم ما وصل إليه الفكر الإداري في المجال الديمقراطي، وهو ما يتجلى عندما نلاحظ أنه بجانب الإدارة المركزية التي تدير تدبير دواليب الحياة العامة للنظام السياسي القائم- هناك الإدارة المحلية التي تم خلقها لمواجهة المشاكل والتحديات المحلية، حيث أصبح من الصعب على المركز أن يواجه هذه المشاكل المحلية أمام ما تتطلبه من سرعة وفعالية و نجاعة في المعالجة سواء على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي…
    إن الإدارة المحلية هي مجموعة تتكون من الأجهزة المنتخبة ذات الشخصية المعنوية، تعمل على تدبير الشؤون المحلية، بتعاون مع الأجهزة المعينة أي ممثلي الإدارة المركزية وتحت وصاية هذه الأخيرة، وهي تجسيد واقعي لأسلوب اللامركزية الإدارية، وتبعا لذلك فاللامركزية الإدارية هي أسلوب ديمقراطي يخول بمقتضاه المشرع سلطات تقريرية للأجهزة التي يتم انتخابها على المستوى المحلي (الأجهزة الجماعية المنتخبة) ضمن النطاق المحدد لها قانونا وتحت إشراف ورقابة السلطة المركزية. أما اللاتركيز أو عدم التركيز فهو تقنية تمكن من تفويض الإدارات المركزية لبعض اختصاصاتها في ميادين مختلفة الأهمية، للمصالح التابعة لها والموجودة على المستوى الترابي.
    و يشكل عدم التركيز الإداري أحد المحاور ذات الأولوية في البرنامج الوطني لتحديث وتطوير القدرات التدبيرية للإدارة المغربية ويترجم هذا البرنامج الإرادة الأكيدة للحكومة لتدعيم اللامركزية التي يعتبر عدم التركيز رافدها الأساسي .
    إن إيجابيات عدم التركيز ليست مثار أي جدال، فهي تتمثل في إنعاش تحديث الدولة وإزالة العبء عن كاهل الإدارات المركزية والرفع من فعالية التدبير المحلي وتقريب الإدارة من المواطنين، وهكذا فإن اللاتركيز يظهر كمكمل أساسي وكلازمة للامركزية باعتباره كمبدأ عام يهدف إلى تقريب الإدارة من المواطنين من جهة، وتخفيض العبء عن الإدارة المركزية من جهة أخرى، إضافة إلى التنسيق والانسجام في نشاط الدولة على المستوى الترابي. غير أنه ثمة إجماع عام حول التأخير الذي سجلته سياسة عدم التركيز بالمقارنة مع سياسة اللامركزية على وجه الخصوص .
    هذا التأخير، الذي لن يستقيم بدون تبني حكامة محلية تنطلق من مفهوم الإلتقائية كآلية لبلوغ هدف التنمية المحلية. ذلك أن أي إستراتيجية لتحسين جودة الحكامة بالمغرب لابد أن تتوخى :
    أولا : إيجاد نظام يتم بموجبه محاسبة ومساءلة كل من استعمل موارد الدولة والموارد المحلية على النتائج المحققة والغير المحققة.
    ثانيا : إعطاء دفعة قوية لنظام الحكامة الترابية.
    ثالثا : جعل تدبير الشأن العام يتلاءم وضرورات التنمية المحلية أي إعطاء بعد ترابي لإشكالية التدبير والإصلاح.
    رابعا : توخي شفافية مضبوطة لأنظمة التدبير والانجاز, ثم ضمان مشاركة فعالة للمواطنين ووسائل الإعلام وجمعيات المجتمع المدني في تقييم الحكامة المحلية , وحكامة المصالح القطاعية الخارجية , على اعتباران بلادنا اليوم تقوم بدور تنظيمي نتيجة الانتقال بنمط التدبير المحلي من مجرد سلطة اقتراحية إلى أخرى تقريرية أملتها التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب في هذا المجال , بهاجس وضع نظام للحكامة يعوض التسيير الإداري للشؤون المحلية .
    ويتجلى الدور التنظيمي الجديد للدولة في توفير شروط مناخ مؤسساتي واقتصادي للدفع بعجلة التنمية , ومن ثمة فقد أصبح من مهام الجماعات المحلية العمل على ضمان النهوض بالجهات في انسجام مع توجهات وأهداف السياسات الوطنية , ذلك أن النجاح المقدر في مجال اللامركزية سيبقى محدودا وغير ذي جدوى إذا لم يرافقه لاتركيز إداري لمختلف القطاعات العمومية بما يمكن من تسريع وثيرة اتخاذ القرارات عن قرب ونجاعة التدبير.
    و انطلاقا من تقرير الخمسينية , وفي إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تشكل أرضية عمل مرسخة لثقافة جديدة منبثقة عن الميادين المؤسسة للشراكة, الكرامة, الثقة, التضامن, القرب والمشاركة سعيا وراء تحقيق منجزات ملموسة ذات رمزية عالية تختزل الإرادة الحقيقية للمغاربة في محاربة الفقر والإقصاء والتهميش بهدف تحقيق التنمية البشرية المستدامة , فقد شكل خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس المؤرخ في 18 ماي 2005 الأساس والمبدأ لظهور مفهوم الالتقائية ببلادنا , والذي يقول فيه نصره الله : " فإننا نعتبر أن التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل , وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية , والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية".
    ومن خلال الخطاب الملكي يمكن القول , إن المرحلة التي نعيشها اليوم تتطلب أسلوبا جديدا في تدبير الشأن الاجتماعي , يتمثل في العمل على تحقيق الالتقائية والتنسيق بين البرامج والتدخلات العمومية , خاصة في المناطق الفقيرة الأقل حظوة والمستهدفة.
    ولا يخفى علينا الفائدة التي يكتسيها هذا التوجه والأهمية الكبيرة التي يحظى بها هذا المفهوم في تطوير العمل المحلي بالبلاد, إذ يمكن من إضفاء الانسجام والتكامل على تدخلات الفاعلين المحليين والمركزيين ومن الرفع من تثير وفعالية هذه التدخلات, كما يساهم في الحفاظ على استمرارية المشاريع عبر توفير الوسائل اللازمة لتسييرها وصيانتها.
    ومن الواضح أن الخطاب الملكي لم يكن الوحيد المؤسس لمفهوم الالتقائية, وإنما هناك كذلك الملتقى الحكومي المنعقد بمدينة بني ملال بتاريخ 20 غشت 2006 الذي روج لهذا المفهوم بمختلف مراكز القرار على المستويين المحلي والوطني.
    وبما أن المغرب قد قطع أشواطا مهمة في ترسيخ اللامركزية, منذ السنوات الأولى للاستقلال وبهدف تعميق مسلسل اللامركزية والتنمية البشرية المحلية, تم اعتماد ميثاق جماعي جديد سنة 2002, يتضمن مقتضيات ترمي على الخصوص إلى تعزيز الاستقلالية المعنوية والمالية والحكامة المحلية, وتحسين وضعية المنتخب وشفافية تدبير الشأن المحلي العام, وتوضيح اختصاصات المجالس المنتخبة.
    كما تهدف هذه المقتضيات إلى تخفيف جهاز الوصاية, باعتماد مراقبة بعدية (قضائية), وتقليص الآجال والأعمال والقرارات الخاضعة للموافقة , وتفويض سلطة الوصاية وتعليل إجراءاتها.
    غير انه لابد من الإشارة إلى أن هذه التجربة الطويلة وهذه المحاولات الرامية إلى تعزيز دينامكية الحكامة الترابية, لم تحققا دائما النتائج المرتقبة, فالانحرافات ظلت تشوب المسلسلات الانتخابية, وما يطبع التحالفات الحزبية المحلية من ظرفية وانعدام استقرا, وتفاوت التكوين لدى المنتخبين, وسوء التدبير, والتقطيع الترابي, الذي ليس دائما مرضيا, وكلها عوامل أضرت بالتنمية المحلية في العديد من الجماعات القروية والحضرية في الوقت الذي ينسف عجز اللاتمركز إمكانيات الحكامة الترابية الفعالة والمنسجمة, وان كانت تشهد (الحكامة) نقائص كبيرة على المستويين الإداري المركزي واللامركزي.
    لكن بالرغم من بعض التصورات الظرفية والمحلية, المتجلية في تفشي الرشوة والتلاعب بالمال العام, نجد اتخاذ بعض التدابير والنوايا الحسنة, ومن بينها الإعلان عن ميثاق لحسن التدبير وإنشاء المجالس الجهوية للحسابات واللجوء المتواتر إلى الافتحاصات الخارجية.
    إذن, لايستقيم الحديث هنا عن الالتقائية دون ربطها بسياستي اللامركزية واللاتمركز وإدراج الإنسان في قلب التحولات وأولى الأولويات بالنسبة للخيارات السوسيو اقتصادية, وذلك بإشراك الإنسان كرأس مدبرة مسيرة ومستفيدة في مسلسل التقرير الوطني والمحلي, من خلال مزاوجة الحكم التمثيليgouvernement représentatif بالحكامة التشاركية gouvernance participative التي لن تتأتى إلا بتبني ثقافة تضامن الجماعات المحلية فيما بينها.
    إلى جانب تبني العقلانية بخصوص علاقة المجالس الجماعية بسلطات الوصاية القريبة (العمال) والبعيدة ( وزارة الداخلية) من اجل الوصول إلى تحقيق تنمية مندمجة ومستدامة عبر تدبير معقلن للشأن العام المحلي.
    في الوقت الذي يجب أن ينصب المجهود الحكومي على تطوير آليات اللاتمركز من خلال تكريس اندماج العمليات القطاعية على المستوى المحلي, وبذل مجهود اكبر على مستوى تنسيق وتكامل التدخلات, وبالتالي اجتناب مسالة اتخاذ القرارات وصياغتها بطريقة فوقية والأخذ بالمقاربتين التشاركية والمندمجة لما لهما من دور فعال في توحيد الرؤى والتصورات الفاعلة في الحقل التنموي للشأن العام المحلي.
    و يمكن القول على أن الالتقائية تقنية تتوخى ربط علاقة بين عدة مراكز لاتخاذ القرار( مصالح خارجية، جماعات محلية، مجتمع مدني ...الخ), والتي تتدخل في مجال متقارب أو متطابق في أفق تطوير جودة العمل التنموي المشترك من خلال المشاريع والبرامج المنجزة والمرتقب انجازهاعلى المستويين المحلي والوطني بغية الخروج ببرنامج ومشروع واحد , متكامل ومندمج ومنسجم وذو نتائج ايجابية .
    ذلك أن أهمية الالتقائية والهدف منها يتجلى في التنسيق بين المشاريع القطاعية وبين المشاريع المزمع انجازها من طرف النسيج الجمعوي في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبين الجماعات المحلية , بغاية خلق تناسق تام فيما بين المشاريع انطلاقا من حاجيات الساكنة.
    و من هذا المنطلق، فإن دراسة هذا الموضوع تكتسي أو تحضى بأهمية مزدوجة، أهمية علمية -أو نظرية- و أخرى عملية.
    فمن الناحية النظرية أو العلمية، يمكن القول على أن الحكامة المحلية بين اللاتركيز واللامركزية، تشكل إحدى المحاور الأساسية للإصلاح الإداري المحلي، أما الأهمية العملية فيمكن تفسيرها ببساطة، من خلال استعمال آلية الحكامة المحلية كطريقة من الطرق العملية للرفع من مستوى التنمية المحلية من خلال خلق نوع من التكامل و الانسجام بين اللامركزية و اللاتركيز، كما باعتبار هذه الآلية أحد المعايير لتحديد مدى و قوة كل من سياسة اللامركزية و اللاتركيز المطبقة في بلد ما.
    و أمام هذه الأهمية البالغة التي يحضى بها هذا الموضوع، هي التي جعلتنا نقوم بدارسته، ذلك أن اختياره لم يكن من قبيل الصدفة بل كان نتيجة إحساس مجموعة العرض بمدى الدور التنموي الذي تلعبه الحكامة المحلية في تطوير سياسة عدم التركيز و جعلها رافعة لسياسة اللامركزية، الشيء الذي جعلنا نتساءل حول، إلى أي حد استطاع اللاتركيز الإداري المساهمة في دعم سياسة اللامركزية بالمغرب؟ و ما هو واقع سياسة اللاتركيز؟ و كيف يمكن دعم سياسة اللامركزية باللاتركيز الموسع عن طريق تكريس الحكامة المحلية؟
    و عليه فإن مقاربتنا لهذا الموضوع سوف تتم من خلال التقسيم الذي اعتمدناه لهذا الموضوع وفق الشكل التالي:

    المبحث الأول: اللاتركيز وسيلة لدعم سياسة اللاتركيز.

    إن تحليلا شموليا لتقييم مسلسل عدم التركيز ، منذ الاستقلال ، يسمح بإبراز العديد من النقائص أهمها انعدام سياسة حقيقة ورؤية استراتيجية لسياسة اللاتركيز الإداري، ما أدى لقصور سياسة اللاتركيز(المطلب الأول)، مما أصبح معه إدراج هذه السياسة ضمن أولويات الإصلاحات الهيكلية التي يعرفها المغرب أمرا ضروريا لدعم و مواكبة سياسة اللامركزية(المطلب الثاني).


    المطلب الأول: الفرق بين اللاتركيز واللامركزية.
    إن واقع اللاتركيز بالمغرب يظهر و بجلاء مدى الاختلالات التي تعانيها الإدارة المغربية حيث إن سير هذا المسلسل بالمقارنة مع السياسات التنظيمية الإدارية الأخرى، يعد بطيئا لا يساير التحديات المطروحة على الجهاز الإداري، و بالتالي لا يمكنه الاستجابة لمتطلبات المواطنين.
    و بما أنه يصعب الإلمام بجميع الجوانب المتعلقة بواقع اللاتركيز الإداري ببلادنا، فإننا سنحاول التطرق إلى نقطتين أساسيتين في هذا المجال، و يتعلق الأمر بكل من التغطية الترابيــة، و تنسيق أنشطة المصالح الخارجية.
    التغطية الترابية:
    لعل أول ما يمكن ملاحظته بالنسبة للتغطية الترابية هو التواجد الجغرافي للمصالح الخارجية الذي يتميز بالتكافؤ و اللاتوازن، و يظهر ذلك أساسا من خلال إحداث هذه المصالح الذي لا يتم بنفس النسق الذي تعرفه التقسيمات الإداري الترابية المتتالية، إذ يلاحظ أن بعض الوزارات تفتقد لمصالح خارجية على صعيد بعض الأقاليم و العمالات، بالرغم من وجود حاجات محلية تستدعي إحداثها.
    فباستثناء وزارة الداخلية، فإن أقلية من الوزارات هي التي تتوفر على مصالح خارجية تغطي نسبيا التراب الوطني، و يتعلـــق الأمر ب: (وزارة الاقتصــاد و المالية، وزارة التجهيــز و النقل، وزارة العدل، وزارة التربية الوطنية، و وزارة الصحة) أما بالنسبة لباقي الوزارات فإن مصالحها الخارجية تغطي حسب الحالات حوالي 40 إلى 60 بالمائة من مجموع التراب الوطني.
    أيضا يلاحظ أن مقرات المصالح الخارجية تتواجد على العموم على مستوى المقر الرئيسي للعمالة أو الإقليم، و لا تتوفر في أغلب الحالات على ملحقات تابعة لها على صعيد باقي الإقليــم أو العمالة المعنيين، الشيء الذي يترتب عنه بعد الإدارة عن السكان، سيما في الحالات التي يشمل فيها نطاق المصالح الخارجية عمالتين أو أكثر .
    كما تجدر الإشارة إلى أنه باستثناء بعض الأقاليم التي تحظى بوضعية امتيازية بفضل أهميتها الاقتصادية أو الجغرافية، فإن عددا من الأقاليم ما زالت تعاني من ضعف البنيات الإدارية، مما يؤكـــد أن إحداث المصالــح غير الممركزة لا يتماشى و سياســـة إحداث الأقاليــم و العمالات، ما يضع من جديد مسألة تقريب الإدارة من المواطنين على المحك.
    تنضاف إلى هذا إشكالية التواجد اللامتوازن للموارد البشرية و المادية، فبالنسبة للموارد المادية يمكن القول بأن الإدارات المركزية عادة ما تتردد في تفويض التصرف في الإعتمادات المالية لفائدة المصالح غير الممركزة، لذلك فالالتزام النهائي بالنفقات يبقى رهينا في أغلب الأحيان بالموافقــة القبلية للإدارة المركزية (النفقات العقــود، الاتفاقيات...) و لا شك أن الوضع لا يساير مطلقا المتطلبات العملية للاتركيز الإداري فلا تركيز الموارد المادية يبقى جزئيا، ذلك أن 35% من المصالح غير الممركزة تظل تابعة و بكيفية مطلقة للإدارات المركزية سواء على مستوى التسيير أو على مستوى التجهيز .
    أما بالنسبة للموارد البشرية التي تعتبر ركيزة كل عملية تنموية من منطلق أن قيمة إدارة ما تتوقف على قيمة العنصر البشري الذي يقودها، فإنه تبعا للإحصائيات المعدة سنة 1999 بخصوص التوزيع الإجمالي للموظفين بين المصالح الإدارية المركزية و الخارجية نجد أن المصالح الأولى تستأثر بنسبة 12% في حين تصل هذه النسبة إلى 88% موزعة على المصالح الخارجية المنتشرة عبر التراب الوطني، إلا أن هذه الأرقام لا تعني شيئا بالمقارنة مع نسبة الموظفين العاملين بالمصالح المركزية بفرنسا مثلا و التي تصل إلى 3% فقط، و الاتجاه السائد في هذا المجال حاليا يهدف إلى التقليص من هذه النسبة.
    بالإضافة إلى هذا يلاحظ أن تسيير شؤون هذه الفئات من الموظفين يباشر في غالب الأحيان على الصعيد المركزي، مما يخل بالسير العادي لشؤون الموظفين العاملين بالمصالح الخارجية بصفة خاصة .

    تنسيق أنشطة المصالح الخارجية:
    تعتبر العمالة أو الإقليم المحرك الفعلي للإدارة المحلية، حيث أنها تشكل مجالا جغرافيا يجمع المصالح الخارجية الممثلة لجميع الوزارات، و تعتبر المستوى النموذجي للاتركيز الإداري، حيث يتم داخلها تجسيد جميع أنشطة الدولة في المجال الاقتصادي و الاجتماعي.
    و حتى يتسنى تدعيم لا تركيز أنشطة الدولة على الصعيد المحلي، فقد أسندت مهمة تنسيق أنشطة المصالح الخارجية للعامل بموجب الفصل 102 من الدستور، و كذا الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 168-75-1 بتاريخ 15 فبراير 1977 بشأن اختصاصات العامل، كما تم تغييره و تتميمه، باعتباره الممثل الإداري الأعلى على الصعيد الإقليمي انطلاقا من كونه ممثلا للملــك و منسوبا للحكومة.
    و تجدر الإشارة إلى أن هذا الظهير الأخير قد وضع مجموعة من الآليات و الوسائل التي تمكن العامل من قيامه بمهام تنسيق أنشطة المصالح الخارجية، و أوجد إلى جانبه لجنة تقنية مكلفة بمساعدته في مهام التنسيق، لكن و رغم هذه التدابير التي نص عليها ظهير 1977، و كذا مختلف النصوص القانونية الأخرى، و رغم السلطة الشبه رئاسية التي يتمتع بها العامل إزاء رؤساء المصالح التابعة للدولة على الصعيد الإقليمي، تظل مهمة التنسيق المعهود بها للعامل نسبية بسبب جملة من الصعوبات ذات الطبيعة القانونية و الظرفية و البنيوية .
    و على هذا الأساس فإن النهوض بمهمة التنسيق تقتضي إعادة النظر في دور العامل في هذا المجال، و توجيه أنشطة المصالح الخارجية التابعة لمختلف الوزارات المتواجدة داخل منطقة نفوذه الترابي، و جعله أذات فعالة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية استنادا إلى روح المفهوم الجديد للسلطة.
    فالقراءة الموضوعية لما يزيد عن 50 سنة لما بعد حصول المغرب على الاستقلال تظهر على أن هناك تطورا في علاقة الدولة بالمجتمع من خلال سعي الدولة إلى إرساء أسس نظام إداري محلي، غير أن البحث في الإشكاليات التي يطرحها اللاتمركز الإداري كجزء من هذا النظام، و كيفية مقاربته من قبل السلطات العمومية في إطار المشاريع الإصلاحية، تؤدي بالباحث إلى الخروج بخلاصة مركزية مضمونها أن المغرب لم يعرف سياسة شاملة في مجال اللاتمركز الإداري و إنما كان يعمل على إحداث أدواتها حسب متطلبات الظرفية وفق نظرة يطغى عليها التخصص القطاعي و الصبغة العمودية للقطاعات الوزارية .
    هذا ما يتطلب إعادة النظر في الخريطة التنظيمية الإدارية، بإعطاء نظرة شمولية لسياسة القرب "عدم التركيز الإداري" من خلال الورش الإصلاحي للجهوية الموسعة.

    المطلب الثاني: مواكبة اللاتركيز للامركزية.
    نتيجة لتطور الحياة العصرية بفعل التحولات الكبرى السياسية الاقتصادية والاجتماعية التي ميزت السنوات الأخيرة من تاريخ المغرب، وأمام حجم التحديات والرهانات الجديدة، أخذ تدخل الدولة في مختلف الميادين ينمو وبشكل متسارع شمل جل القطاعات المرتبطة بحياة المواطن وأنشطته .
    وقد مس هذا التحول بالأساس المجال الإداري والإدارة العمومية، حيث لم يستثنى بالنظر إلى وضعيته ضمن النسق العام للدولة، وكذا لأهمية التنظيم الإداري في إرساء قواعد تنشيط وتدبير مجمل الأنشطة العامة.
    انطلاقا من هذا السياق فإن الإدارة المغربية شهدت مجموعة من التحديات والإصلاحات شملت عدة مجالات من بينها نظام اللاتركيز الإداري الذي يشكل عنصرا أساسيا في التنظيم الإداري المغربي، باعتباره أداة فعالة تمكن من تسريع النشاط الإداري والرفع من مردوديته، كما يعتبر الدعامة الضرورية لكل سياسة تهدف الى إنجاح تجربة اللامركزية، وتنمية روح المبادرة والمسؤولية ووضع آليات محكمة للتنسيق على المستوى المحلي بغية تقريب الإدارة من المواطن وهو الهدف الذي يظل الهاجس الوحيد لهذا النظام .
    أكدت في نفس المنحى عدة خطب ملكية على التلازم بين اللامركزية واللاتمركز، حيث أوضح المغفور له الحسن الثاني، أمام المشاركين في الندوة الوطنية للجماعات المحلية أقيمت بمكناس، أنه إذا كانت اللامركزية تشكل الغاية فاللاتمركز يعد الوسيلة لتحقيق هذه الغاية.
    لكن تكريس مبدأ اللاتركيز الإداري يصادفه على أرض الواقع عدة عقبات، تعزى إلى محدودية نظام اللاتركيز المتمثلة في ضعف البنيات الإدارية العامة ومحدودية الوسائل التي تنعكس سلبا على علاقة اللاتركيز باللامركزية، وبغية تقوية هذه العلاقة وتجديدها وخلال اللاتركيز هو لب لسياسة اللامركزية، يجب التخلص من المساوئ التي طبعت العلاقة التقليدية للامركزية باللاتركيز، بنهج أساليب حديثة تعمل على دعم سياسة اللاتركيز تكون قائمة على شكل أفقي تشمل عملية التواصل والاتصال بين الرئيس والمرؤوس بين الإدارة والمواطن، واعتماد آلية توزيع الاختصاصات وإعادة توزيع الموارد البشرية والوسائل بشكل متكافئ بين مختلف الإدارات المركزية والمحلية .
    ولتعزيز إصلاحات نظام اللاتركيز بالمغرب فإن النظام الجهوي الجديد في بعده الموسع، يمكن أن يتخذ كقاعدة لإعادة تصور وتحديد أدوار الدولة من جهة والمستويات الثلاثة المتطابقة للامركزية من جهة أخرى، الشئ الذي يهدف إلى إعطاء إطارا مهما للتنمية، وبتظافر العديد من العناصر التي تجعل من الجهة إطارا جديدا لعدم التركيز الإداري كانعكاس لتطور المجتمع تولد لدى العديد من الفعاليات والدارسين قناعة راسخة باعتبار الجهة كمستوى ملائم لعدم التركيز الواسع .
    وورد في خطابات عديدة للعامل المغربي منها خطاب 30 يوليوز 2006 حيث أوضح أنه " يتعين علينا إعطاء نفس جديد لمسار اللامركزية والجهوية والعمل على أن يصبح التدبير اللامتمركز، بوصفه لازمة لخيار اللامركزية قاعدة أساسية...ومقوما ضروريا للحكامة الترابية " نفس التوجه جاء في خطاب 6 نونبر 2008 " مهما وفرنا للجهوية من تقدم، فستظل محدودة ما لم تقترن بتعزيز مسار اللاتمركز". من خلال هذه الخطب أصبح يتضح بشكل جلي على أن اللاتمركز من المرتكزات الأساسية لدعم مسار اللامركزية بما فيها الجهوية المتقدمة التي ستكون إطارا ترابيا ملائما لنهج سياسة اللاتمركز الواسع، نظرا لتحقيق تكامل منتج وعملي، بين الجهوية واللاتمركز" .
    إن مواكبة ودعم سياسة اللاتمركز لسياسة اللامركزية التي عرفت تطورا مهما منذ استقلال المغرب يتعين على الحكومة إعمال اللاتمركز حسب خطاب 6 نونبر 2008 بأن " تقوم بإعداد ميثاق وطني لعدم التمركز يتوخى إقامة نظام فعال لإدارة لا ممركزة يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية المتحجرة" يقوم على نقل الصلاحيات والموارد البشرية والمالية اللازمة.
    وأهم الإصلاحات المركزية التي سيتضمنها ميثاق عدم التركيز تهم إصلاحيين أساسيين يتمثلان في تطوير النظام القانوني والمؤسساتي للاتركيز ومراجعة النسق التنظيمي لهذه الخيرة.
    إذن للخروج بميثاق متجانس يتطلب أولا مراجعة المقتضيات القانونية التي تنظم اللاتركيز الإداري، حيث يجب إعادة النظر في الفصول الدستورية بشكل يمكن من توطيد صلاحيات الوالي للنهوض بمهامه، ولاسيما ما يتعلق منها بالإشراف على نجاعة ممارسة اختصاصات أجهزة الدولة وتناسق أعمال كافة المتدخلين على المستوى الترابي الإقليمي والجهوي ، ومراجعة كل الاختصاصات سواء الممنوحة منها للإدارات المركزية أو اللاممركزة وهيأتها مع تحيين كل النصوص القانونية المتعلقة باللاتركيز.
    أما فيما يتعلق بمراجعة النسق التنظيمي للاتركيز فيتجسد جوهر هذا الإصلاح بتوزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والمصالح اللاممركزة وبذلك سيصبح اللاتمركز القاعدة العامة في توزيع المهام والوسائل بين مختلف المستويات الإدارية التابعة للدولة ، وكذلك من بين الإجراءات الواجبة بهذا الخصوص تلك المتعلقة بمستوى وحدود التنسيق القائمة بين مختلف المتدخلين الذي يرتبط تفعليه بإشكالية التفويض التي تترجم على أرض الواقع مدى استقلالية المصالح اللاممركزة .
    يتضح على أن اللاتمركز واللامركزية يكونان عاملين أساسيين لنفس المعادلة، إذن بدون لاتمركز لا يمكن ضمان نجاح اللامركزية يستوجب إعادة النظر في هذه العلاقة غير المتكافئة التي تؤثر من دون شك على ضعف مواكبة نظام اللاتركيز لنظام اللامركزية الشئ الذي يتطلب مسار شاق وطويل في دعم جل الإصلاحات المتعلقة بسياسة اللاتركيز كما جاء في العديد من المناظرات الوطنية لمواكبة وردم الهوة بين اللامركزية واللاتركيز.

    المبحث الثاني: تعزيز دور الهيئات المنتخبة والمصالح الخارجية لتكريس الحكامة المحلية.

    إن التنمية المحلية ميدان تتقاسمه وبنسب متفاوتة الوحدات اللامركزية والهيئات الغير ممركزة، إنها مجال لتدخل كل من الدولة والجماعات المحلية كل حسب إمكانياته والنطاق الجغرافي والقانوني المسموح له بالتحرك داخله، إذن فهي اختصاص تشاركي يسهم في النهوض به عدة فاعلين وبنسب متفاوتة ولكنها غير محددة من قبل، حيث لا يمكن الفصل بسهولة داخل الفضاء المحلي بين ما يعد من مسؤوليات الدولة والتي تمارسها عن طريق المصالح الخارجية تحت الإشراف المباشر لمؤسسة العامل باعتباره ممثلا للملك والحكومة، وبين ما يعود إلى اختصاصات الجماعات المحلية باعتبارها مؤسسة منتخبة يعمل بواسطتها أفراد الشعب على تسيير شؤونه المحلية بواسطة منتخبيه.
    غير أن التجربة المحلية بالمغرب لا تخلوا من ملاحظات جوهرية منذ اعتمادها في ظهير 1976، حيث يمكن اعتبارها تجربة قاصرة ومحظونة ومراقبة، ونفس الأمر ينطبق على الوحدات الغير ممركزة، إن انتهاج المركزية المفرطة التي عرفها المغرب خلال السنوات السابقة التي اعتمد فيها على حضور الهاجس الأمني في التسيير المحلي لم تساعد على نهج سياسة اللاتمركز المطلوبة، الشئ الذي عاق عمل المصالح الإقليمية للوزارات وأفقدها الكفاءة والاستقلال الذاتي الضروريين وهو ما يجعل الصورة تبدو ملتبسة حيث أن القطاعات الحكومية تسهر على برامجها كل قطاع على حدة الشئ الذي يترتب عنه تعددية المبادرات الغير المنسجمة، نتج عنها تبذير غير ذي فائدة، وهو ما أثر سلبا أيضا على أداء الجماعات المحلية التي تحتاج إلى مخاطبين أكفاء في مصالح الدولة الخارجية.

    المطلب الأول: صور الحكامة المحلية.
    1- حكامة الجماعات المحلية:

    حظيت الجماعات المحلية بالمغرب باهتمام كبير من لدن المشرع، حيث أفرد لها الباب الحادي عشر من الدستور المراجع بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.96.157 الصادر في 23 جمادى الأولى 1417 الموافق ل7 أكتوبر 1996، حيث جاء في المادة المائة منه أن "الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية و لا يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إلا بقانون" ، و عليه فإن المشرع صنف الجماعات المحلية إلى ثلاث وحدات رئيسية( الجهات ، العمالات والأقاليم، الجماعات الحضرية والقروية) ونظرا لأهمية هذه الوحدات في إشراك المواطن في تدبير شأنه العام والمساهمة في خلق اقتصاد وطني قوي، فإن الدولة خولت لهذه الجماعات من الوسائل ما يساعدها على القيام بالدور المنوط بها، غير أن توزيع هذه الإمكانيات متفاوت من منطقة إلى أخرى، مما أسهم في ظهور مناطق وجهات متباينة على جميع المستويات.
    وكما سلف الذكر من خلال السلطة المركزية المفرطة للجهاز الوصي فإن دور الكيانات المحلية يجب أن يتخذ أشكالا جديدة تتماشى مع مفاهيم اللاتركيز واللامركزية من خلال إعادة النظر في المنظومة التمويلية المحلية تسمح للجماعات المحلية بالاضطلاع بسلط مالية حقيقية تخولها الحق في سن موارد ضريبية تراعي الخصوصية الجماعية، واستعمال هذه الآلية ،إن اقتضى الحال، لتشجيع الاستثمارات المحلية، كما هو الحال بالنسبة للميزانية العامة للدولة باعتبار الآلية التمويلية المحلية من الدعائم الأساسية لتحقيق للامركزية، وكذا تمكين المجالس المحلية من استقلالية في تنفيذ برامج عملها ومقرراتها التدبيرية للشأن المحلي، و إعادة النظر في الاختصاصات المخولة لرؤساء الجماعات المحلية في اتجاه تقويتها وتوسيعها مع مع تقليص دور الوصاية ، والاقتصار على مراقبة المشروعية في كل مجالات تدبير الشأن المحلي، تخويل المجالس الإقليمية والجهوية اختصاصات واسعة وسلطة تقريرية تكفل لها المساهمة الفعلية في التنمية الإقليمية والجهوية، مراجعة القانون المحدد لاختصاصات العمال حتى يساير متطلبات اللامركزية الحقيقية، مراجعة التقسيم الجماعي على سبيل تجاوز الاختلالات الجغرافية والسوسيو اقتصادية بين الجهات، بالإضافة إلى الاهتمام بالعنصر البشري الذي سيعمل على ترجمة أهداف هذه التوجهات ألا وهو الموظفين من خلال إعادة النظر في نظام الوظيفة العمومية المحلية وتطويرها بشكل يستجيب لخصوصية تدبير الشأن المحلي.
    كما يقتضي الأمر شجاعة سياسية من طرف الأحزاب السياسية بالانخراط الكامل والتام في دعم هذا التوجه عبر الضغط من أجل إقرار قوانين جدية ترتكز على الشفافية والديمقراطية ومنها اعتماد المقياس العلمي للمنتخب بتجاوز مسألة شهادة الابتدائي حيث لا يعقل أن يترك المجال للأميين بالتصرف في ميزانيات تقدر بملايين الدراهم وكذا بمستقبل الوحدات الترابية، وفي ظل قدرة شرائية ضعيفة للمواطنين كما يبين الجدول التالي :

    ومن جهة أخرى فإن ما يطبع التجربة المحلية المغربية وهو تداخل الاختصاصات ما بينها وباقي أجهزة الدولة من خلال اعتماد المقتضى العام للاختصاصات وصيغ مبهمة وفضفاضة سواء في النصوص الأساسية المنظمة لها أو في النصوص الخاصة مما يصعب عملية فهم واضح للأدوار الجماعات المحلية ومسؤولياتها، ومسؤولية الدولة وفروعها، بالإضافة الى أن التقسيمات الترابية المعتمدة حتى الآن ساهمت بدورها في تعقيد توزيع الاختصاصات وتشابكها .
    إضافة الى ثقل سلطات الوصاية الممارسة من قبل وزارة الداخلية والتي تتميز بنوع من الصارمة والتتبع الدقيق لأعمال المجالس، حيث تلقت وزارة الداخلية مثلا سنة 2010 طلبات واستشارات خاصة ب:
    - نظام انعقاد الدورات المجالس ومساطير اتخاذ المقرارات.
    - الشرطة الإدارية الجماعية بمختلف قطاعاتها.
    - شركات التنمية المحلية.
    - العلاقة بين مجالي المقاطعات والمجلس الجماعي.
    كما تبقى لها صلاحية مراقبة شرعية المداولات الجماعية كما سيتبين من خلال الجدول التالي :
    المجالس الدورات العادية الدورات الاستثنائية المجموع
    الحضرية 503 118 621
    المقاطعات 88 12 100
    العمالات والقاليم 113 10 123
    الجهات 733 140 873

    وبالرغم من جميع الملاحظات الموجهة للتجربة الجماعية بالمغرب فإنها عرفت مجموعة من الاختلالات على مستوى الداء لا من حيث التدبير الإداري أو المالي والذي وصل بعضه إلى ردهات المحاكم ولا على العائق الأول الذي يلحظه المتتبع والمواطن العادي هو تفشي الرشوة داخل الجماعات المحلية وحتى بعض القطاعات الغير ممركزة وهو ما حذا بالدولة الى وضع خطة طويلة الأمد بإجراءات استعجالية تستهدف الحد منها داخل هاته الإدارات ونورد أهمها في:




    * المجلس الأعلى للحسابات يكشف خروقات بالجملة:
    ومن جهة أخرى فقد لا حظ المجلس الأعلى للحسابات خلال تقريره لسنة 2008 مجموعة أوجه القصور التي شابت اداء الجماعات المحلية بمختلف هيآتها حيث قام ب 368 عملية مراقبة خلص فيها الى:
    - ضعف وظيفة البرمجة والتخطيط: من خلال عدم اعتماد المجالس المنتخبة لمخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لا يعكس التوزان الحقيقي بين المداخيل والنفقات.
    - ضعف تدبير الموارد الجماعية: من خلال عدم استخلاص واجبات احتلال الأملاك وأكرية الأملاك الخاصة وتراكم المبالغ الباقي استخلاصها.
    - اختلالات في مجال تنفيذ النفقات الجماعية.
    - سوء تدبير الأملاك الجماعية.
    - ضعف مراقبة المرافق المسيرة في إطار التدبير المفوض.

    * مدينة سلا نموذجا:
    لد كان المجلس الجماعي لمدينة سلا من ضمن المرافق التي زارها المجلس العلى للحسابات وسجل الملاحظات التالية:
    • تدبير سوق الجملة: من خلال تنامي مسالك التوزيع غير القانونية وهو ما ضيع على الجماعة 60.783.772 درهما.
    • تدبير المشاريع الجماعية: حيث تم تسجيل البطئ في إنجازها وعدم دقة الدراسات القبلية وتغيير مواضيع الصفقات بالاعتماد على مجرد محضر اجتماع وعدم قدرة بعض المقاولات على أداء ما التزمت به.

    جدول يبين طريقة وتسيير المنتخب لمشاريع لها مردودية على مستوى معيشة المواطنين .

    قطاعات التدخل التوقعات بملايين الدارهم المنجزات بملايين الدراهم نسبة الانجاز
    الطرق وملتقيات الطرق 282.281 143.66 47.70%
    بنايات القرب 95.95 2.699 2.81%
    مشاريع مدرة للدخل 204.20 8.056 3.94%
    تجهيزات جماعية 122.858 13.716 11.16%
    مساحات خضراء 23.443 15.381 65.61%
    المجموع 942.40 174.512 18.52%

    2- حكامة المصالح الخارجية:

    عندما نتكلم عن المصالح الخارجية فإننا نتحدث عن أدوات الدولة المحلية التي من المفروض أن تشكل دورا تكميليا للجماعات المحلية وقد عمدت الدولة الى ضخ مبالغ مالية مهمة من اجل تطوير اداءها مقارنة مع المجهود الاستشماري للجماعات المحلية الذي لا يتعدى مجتمعة 15 مليار درهم مقارنة مع بعض القطاعات التالية.



    فالدولة خصصت خلال سنة 2010 ملايير الدراهم لمجموعة من القطاعات خصوصا ذات الطبيعة الاجتماعية، مما يبرز المركزية المالية الشديدة للدولة من حيث تعبئة الموارد المالية لصالح مصالحها المركزية والغير الممركزة، ومع كل هذه التمويلات المهمة فحتى تجربة المصالح الغير الممركزة تعاني من:
    - وجود خصاص في بعض المصالح الخارجية التي لا تغطي سوى 40 % من مجموع التراب الوطني ( الصيد البحري، الثقافة، الاتصال،..)
    - وعلى المستوى التقني فإن أجهزة اللاتركيز عرفت مع تطور الدولة تضخم هياكلها وسوء توزيع موظفيها إداريا وجغرافيا بالإضافة التي إلى النزعة المركزية التي لا زالت تطبع مسار القرار الإداري، من خلال السيطرة على شؤون الموظفين وميزانية الدولة. ( موظفي الأطر العليا 29 % تعمل بالمركز مقابل 23 % بالمصالح الغير الممركزة )
    - كل وزارة نظمت مصالحها الخارجية وفق منظورها الخاص مما أعطى توزيعا مشوها حتى على صعيد الإقليم نفسه.
    - غياب التعاون والتنسيق خصوصا في مجال العقار والتوثيق.
    هذا التشتث والتضخم الذي تعامي منه المصالح الغير ممركزة يتطلب عدة إجراءات للنهوض بأدوارها في أفق الجهوية المرتقبة عبر التنسيق والمخططات الشاملة والمندمجة عبر:
    • ضرورة رسم حدود جديدة لمجالات تدخل الولاة وإعطاء بعدا جديدا للدور المنوط بهم وكذا تعين ولاة بعقلية اقتصادية.
    • إصلاح هيكلة المندوبيات الجهوية والإقليمية للإدارات المركزية بقصد تجميعها للمزيد من التفاعل والتناسق ببرامج موحدة.
    • وضع وثيقة مرجعية تحدد مفهوم التشارك ما بين المصالح الخارجية وفاعلين آخرين والجماعات المحلية.
    • العمل المشترك والتنسيق المحكم والتوجيه الموحد لأجل تنفيذ السياسة التنموية الجهوية وتطبيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة.
    • ضرورة تفويت سلط مباشرة للمصالح الخارجية لممارسة أدوارها وفق تصميم مديري يأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المادية والبشرية لكل قطاع .

    المطلب الثاني: الالتقائية كآلية لتعزيز الحكامة المحلية.
    إن التقابل بين أجهزة الدولة المتمثلة في حضور ممثلي الدولة و الأنشطة القطاعية على صعيد التقسيم الترابي للمملكة إلى جانب الإدارات المحلية يمكن ان يكون فضاء خصبا للشراكة والتضامن من اجل تحقيق سياسات عمومية يرضاها المواطن . ولا شك ان هذا الالتقاء هو لصالح المجتمع ككل لتجاوز المعيقات العديدة للوصاية القديمة والانتقال إلى مستوى الدعم و المواكبة. فمنذ تبني مفهوم التضامن كشعار من خلال المناظرة 6 للجماعات المحلية أضحى هذا المفهوم يبرز إلى جانب الوصاية ، وذلك ما يمكن إعطاء بعض صوره من خلال التطرق إلى هذه الالتقائية لللاتركيز مع اللامركزية المرفقية (1) و كذا اللاتركيز مع اللامركزية الترابية (2).
    1- التعاقد كآلية لالتقائية اللاتركيز مع اللامركزية المرفقية :
    ان وضوح مجال تدخل المؤسسات العمومية إلى جانب الدولة جعل أسس هذه الالتقائية واضحة المعالم باعتبارها تعتمد على مجال تدخل تقني محدد ومعزز بمؤشرات وميزانية محددة وأهداف محددة وهو ما سهل على الدولة تحسن من رقابتها على عمل هذه المؤسسات ، ثم لترقى علاقة أكثر وضوح مبنية على أسلوب التعاقد وذلك منذ 1987 بحيث بدا العمل ببرامج أهداف مبنية على هذا الأسلوب ، وتعززت بإصدار قانون 69.00 الذي يركز أساسا على الرقابة المالية للدولة على المؤسسات العمومية .
    2- التقائية اللاتركيز مع اللامركزية الترابية :
    بالرغم من اعتبار العلاقة بين الدولة والجماعات المحلية هي اكثر تعقيدا لكن ضرورة إرساء قواعد تطبيق السياسات العمومية على المستويات الترابية الشيء الذي سينمي ثقافة التعاون التي أفرزتها الضرورات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وخاصة في الميادين الحساسة التي تطلبت إدارة القرب وخلق مستوى فعال للتعاون على المستوى الترابي.
    ولإبراز هذا الاتجاه يمكن الارتكاز على معطيين اثنين :
    - انتقال وصاية الداخلية الى مستوى مواكب : عن طريق خلق دلائل تسيير المصالح المحلية سيما الجماعية وتتبع تكوين موظفي الجماعات المحلية والمنتخبين ثم إعطاء الدعم المالي و التقني لإنجاح مشاريع مخططات التنمية المحلية ، وخاصة فيما يخص تهيئة المدن الكبرى.
    - تعزيز المستويات الترابية لوصاية المالية عن طريق القباض المحليين : إضافة إلى الاتجاه نحو خلق مديريات جهوية لأغلب المديريات التابعة لوزارة المالية يمكن التركيز على دعم القابض المحلي للاستقلالية الملية للجماعات المحلية وذلك بتفعيل الإجراءات الآتية:
    * تخفيف وصاية القابض المحلي لصالح تعزيز مسؤولية الامر بالصرف المحلي.
    * إعطاء الدعم للجماعات المحلية في ما يخص تسيير الموارد المالية.
    *تبسيط مسطرة التواصل مع المحاسب التالي المحلي.
    * تخفيف أجال التصديق على التأشيرات الواردة من الجماعات المحلية وكذا إعطاء تفاسير و توضيحات للأخطاء الشائعة.
    • التجاليات الميدانية للالتقائية
    ان تعزيز الإطار المشترك لتدخل الهيئات العامة لم يشمل فقط الشق القانوني والمؤسساتي بل عرف تطبيقات ميدانية يجب الإشارة لبعض صورها وخاصة تلك التي تشمل العمل المشترك الدي اخد مصطلح الالتقائية، اما عن طريق وكالات التنمية (نمودج صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية) او في شكل إعانات إما تأخد شكل مباشر يحسب لحساب الجماعات المحلية و يدخل في ميزانيتها ( مثال 30 من الضريبة على القيمة المضافة) او بشكل غير مباشر تاخد شكل الاستثمارات ذات مصدر مختلط.
    1- نمودج صندوق الحسن الثاني للتمنية الاقتصادية والاجتماعية
    مع تدخلات الحكومة، الاقتصادية والاجتماعية، عبر مشاريع ضخمة وأوراش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومنذ انطلاقته ضخ أكثر من 30 مليار درهم في الدورة الاقتصادية، أي ما يعادل 9 بالمائة من الميزانية العامة لسنة 2009.

    2-الموارد المنجزة في إطار الحسابات المرصدة لأمور خصوصية

    .بيان الحسابات اعتمادات سنة 2005 اعتمادات 2009 اعتمادات سنة 2011
    حصة الجماعات المحلية من القيمة على الضريبة المضافة 11.248.000 19.000.000 20.093.000
    الصندوق الخاص لتمويل البرامج الاقتصادية والاجتماعية 4.105 566.000 2.500.000
    أصبحت تسمى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
    تمويل نفقات التجهيز ومحاربة البطالة 1.057 566.500 566.500
    صندوق دعم أسعار المواد الغذائية : 2.372.000 1.000.000 1.000.000

    يلاحظ من خلال هذا الجدول تزايد نسبة الاعتمادات المخصصة لصناديق متنوعة ذات طبيعة اجتماعية بنسب مهمة، لكن السؤال المطروح الآن ما هو مقابل ذلك والتأثير المباشر على مستوى معيشة الساكنة حيث تشير إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط خلال نفس الفترة الزمنية تقريبا أن 5 ملايين مغربي يعيشون على اقل من دولارين يوميا.
    ومن جهة ثانية ووجهة قانونية صرفة فهناك أصوات تقول بضرورة اخضاع هاته الصناديق للرقابة المعمول بها حتى لا تبقى رهينة تصرفات المسؤولين حيث البرلمان الذي يرخص لهذه النفقات من خلال قوانين المالية لا حق له بمقتضى القانون التنظيمي للمالية بمراقبة أجهزة الحكومة في كيفية صرف الاعتمادات المالية بعد المصادقة عليها.

    المجهود الاستثماري لتوفير الخدمات والتجهيزات عن قرب حسب الاعتمادات المخصصة من طرف كل جهاز.

    2- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

    تعتبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك في سنة 2005 نمودجا حيا لالتقائية لتحقيق قيم الحكامة التنموية عبر المقاربة التشاركية ما بين أجهزة الدولة والهيئات المنتخبة والمجتمع المدني، وهي عمل يشمل جميع المستويات الترابية: وطنية، جهوية، إقليمية ومحلية، عن طريق لجان محلية تضم ممثلي المصالح الخارجية والمجالس المنتخبة والفعاليين المحليين.
    حيث استهدفت إلى يومنا هذا 5 ملايين مستفيد مباشرا كما عرفت إنجاز ما يزيد عن 22 ألف مشروعا بغلاف إجمالي يقدر ب 13 مليار درهم.

    جدول يبين تطور الاعتمادات الخاصة بالمبادرة
    البرامج اعتمادات سنة 2006 اعتمادات 2009
    البرنامج القروي 72.656 مليون درهم 496.165 مليون درهم
    البرنامج الحضري 113.432 417.980
    برنامج محاربة الهشاشة 80.371 383.050
    البرنامج الأفقي 73.816 521.935
    دعم المبادرة 6.245 56.583
    المصدر: نشرة المبادرة الخزينة العامة للمملكة دجنبر 2009

    الخاتمة:

    إن مفهوم الحكامة الجيدة الذي بدا ينتشر كمصطلح عالمي وتجلياته على المستوى الوطني أصبح يتطلب من مؤسسات الدولة الانخراط في مسلسل الإصلاح الجهوي العميق والبعيد عن الاعتبارات والهواجس الأمنية ليشمل التطلعات الاقتصادية من خلال إنشاء أقطاب تنافسية تصب في معركة التنمية الشاملة والتي يكون عمودها الفقري الإنسان المغربي أولا، في ظل عالم يشهد تطورات متسارعة ومعولمة، بعيدا عن
    المعاني المتداخلة، سواء على سبيل المفهوم أو على سبيل الممارسة، بين الدولة كشخص معنوي عام شامل مع الجماعة التي هي كذلك وحدة أخذت سبيلها إلى التطور و النضج فحازت شخصية معنوية عامة صغرى ، لذا فمن البديهي في هذا الإطار أن تسعى الدولة أن تتدخل عبرها لتحقيق غايتاها.
    فقد أشار (الفقيه ميشود L.MICHOUD) إلى أن الشخصية المعنوية للجماعة المحلية هي غطاء وضعته الدولة لتحقق أهدافها بشكل أو بآخر ولتسهيل مراقبتها وهذا ما يتجلى كمعطى تاريخي و ثقافي في أنظمة الحكم ، خاصة في دول العالم الثالث ، من خلال البحث الحثيث عن التوافقات والتوازنات السياسية بين وحدة الدولة و تحقيقي الديمقراطية . فنموذج النظام السياسي المغربي لا زال يتطور، ولم يصل بعد الى ما وصلت إليه أنظمة دستورية أخرى متطورة ....ولم يعرف بعد عصره الذهبي، ومع ذلك فهو يسعى لان يكون كذلك وإلا لماذا الإصلاح .

جديد : الأن يمكنك التحرك بسلاسة بين المواضيع السابقة واللاحقة عبر (الكيبورد) بالضغط على الزر الأيمن والأيسر

0 التعليقات:

إرسال تعليق