أكيد أن السياحة البديلة قطاع نبيل
وميدان تتلاقح فيه القيم والحضارات. وحسب وصف الموسوعة العالمية للسياحة التي
تصدرها المنظمة العالمية للسياحة فمصطلح السياحة البديلة يبقى تعريفا يطلق عموما
على شتى أصناف الترفيه والتسلية والخدمات السياحية المتماشية مع قيم المحافظة على
البيئة والهوية الثقافية والدينية والمدرة طبعا لعائدات مهمة، ليس على الشركات
والوسطاء السياحيين فحسب، بل حتى على الساكنة المحلية المنتمية إلى بلدان
الإستقبال. وإلى جانب مصطلح السياحة البديلة نجد وفرة من التعابير الشبيهة
بالمصطلح السابق الذكر، والتي في غالب الأحيان يحبذ استعمالها خبراء دوليون منتمون
إلى عدة تنظيمات دولية مرموقة. ومن بين هاته المصطلاحات أذكر على سبيل المثال (لا
الحصر): السياحة العادلة، السياحة التنموية، السياحة التضامنية، السياحة الخضراء،
السياحة المسؤولة والسياحة البيئية. إذن فالسياحة البديلة لا تمارس فقط داخل
المحميات الجبلية والأماكن القروية أوالصحراوية -كما يعتقد الكثيرون- بل يمكن
ممارستها في مواقع أثرية وفضاءات بحرية أو حتى داخل المدن. أما من ناحية النفقات،
فالسياح البديلون هم بالمقام الأول أشخاص من فئات عمرية متوسطة ومستوى ثقافي محترم
وينتمي أغلبهم إلى الطبقة الوسطى. وعلى خلاف الزبناء المقبلين على سياحة الشمس
والبحر الذين ينفقون مبالغ جد هزيلة، فالسياح البديلون ينفقون مبالغ مهمة أثناء
سفرياتهم وتنقلاتهم، كما أنهم لايرتكبون خروقات أخلاقية وتجارية، كشراء قطع فنية
نادرة أو منتجات حيوانية معرضة للإنقراض.
وفيما يتعلق بالسياحة المغربية البديلة فهناك شبه إجماع صادر من طرف مجموعة من المختصين الذين يفندون كون الجذور الأولى لهذه السياحة الجميلة يعود إلى حقبة السبعينيات. حيث منطقتي الأطلس الكبير والمتوسط هما النقطتان اللتان انطلقت منهما الخطوات الأولى لهذا الصنف من السياحة، بفضل جهود مجموعة من الأجانب المقيمين أنذاك بالمغرب وبفضل أسفار واكتشافات ومغامرات نخبة من السياح القادمين من فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة – الذين كانوا يجدون في حميمية الأسر الأمازيغية الجبلية المستضيفة والفضاءات الأطلسية المغربية جوا رومانسيا بديعا يعزلهم عن توترات وضجيج الحياة اليومية ويبعدهم مؤقتا عن شباك النفاق المجتمعاتي الغربي. أما من الجانب الرسمي، فإن بوادر نهوض الوزارة الوصية بالسياحة التنموية القروية تعود إلى سنة 1983، وبالضبط عندما قررت عدة لجن وزارية بشراكة مع الدولة الفرنسية إحداث منتوج سياحي بديل بأعالي سلسلة الأطلس الكبير، تلاه سنة 1987 مخطط إستراتيجي ثاني ينص على هيكلة وإعادة تأهيل عدة وحدات نموذجية للإيواء وإنعاش الصناعة التقليدية، مع شق طرق ومسالك لفك العزلة عن بعض القرى المستقبلة للوافدين ووضع لوحات للتوجيه والإرشاد السياحي، دون أن ننسى برمجة مشروع يروم تكوين مرافقين سياحيين جبليين رسميين وقيام المكتب الوطني المغربي للسياحة بحملات إشهارية مكثفة في الخارج لصالح السياحة الوطنية البديلة.
أما بالنسبة لشمال المملكة فقد عرف بدوره (ولكن بنوع من التأخير) ظهور هذا النموذج الجديد من السياحة مع بداية الألفية الثالثة بفضل مساهمة برنامج الأمم المتحدة للتنمية ووكالة تنمية الشمال ووزارة التجهيز والمندوبية السامية للمياه والغابات ووزارة السياحة والغرف المهنية وبعض الجمعيات المحلية ومنظمات أمريكية وألمانية وكندية، إضافة إلى صندوق الدعم الأوروبي. ويبقى أول عمل ميداني يهم السياحة الشمالية البديلة هو إنجاز دراسات جدوى للعديد من المناطق كتطوان والشاون وإصلاح العديد من المعالم الأثرية والهندسية، تلته إعادة هيكلة العديد من المنتزهات والمنتجعات ذات المعطيات السياحية والطبيعية الهائلة كبوهاشم ومحفورة والحوز وبني عروس وتلسمطان وغرغيز وأقشور وتنقوب. وقد كان من ثمرة هذه الهيكلة شق العديد من الطرق الجبلية وتشجير العديد من المناطق وربطها بالشبكة الكهربائية ومدها بقنوات الصرف الصحي، ثم تشييد مجموعة من باحات الاستراحة والملاجئ والمآوي السياحية القروية، مع تزويدها بنظم طاقية بديلة…مما سمح لمنطقتنا الشمالية احتضان زوار بديلين جدد (مغاربة وأجانب) وإحتضان محاضرات ولقاءات وتظاهرات رياضية وبيئية دولية كراليات المشي وسباقات الدراجات الغابوية. ولتنمية هذا القطاع فيما يخص الموارد البشرية، فقد قررت مؤخرا وزارة السياحة إلحاق وفد من شباب المنطقة (ابتداء من شتنبر المقبل) بالمركز الرسمي لتكوين مرشدي الجبال الكائن مقره بقرية تبانت بإقليم أزيلال، حتى يتسنى لهم مزاولة عملهم طبقا للنصوص والتشريعات القانونية. ولتحسين جودة المنتوج والخدمات المقدمة للسائح فقد أصبح بمستطاع الراغبين في العمل بقطاع السياحة الإلتحاق بالمعهد الفندقي والسياحي تمودا باي المتواجد بمرينا سمير. وفي شأن مشابه، فقد بدأت تنظم عدة ورشات تدريبية لفائدة مالكي الدور القروية والنزل السياحية من أجل تكوينهم في شؤون الطبخ والنظافة والوقاية والإشهار والتسيير وتسويق مواد أولية ثمينة كالعسل الحر والزيوت العطرية ومشتقات حليب المعز. كما أتيحت للعديد من شباب المنطقة فرص أخرى لحضور أوراش نظرية عديدة تهم الترفيه في الفضاءات الخضراء ونشر مطويات وكتيبات معلوماتية تطبيقية – والمنظمة من قبل الجامعة الملكية المغربية للتزحلق ورياضة الجبل والفيدرالية الأوروبية لرياضة المشي.
وحسب نظرة تجارية ومهنية صرفة، فإن أول شركة طفت على السطح وتخصصت في السياحة القروية والثقافية البديلة لم تظهر بشفشاون (خلافا لما يدعيه العديد من ناكري الجميل) بل برزت بمدينة تطوان، وكان مقرها بشارع موريطانيا. هذه المقاولة كانت تحمل إسم “كلتي روطاس”، تيمنا بأعلى قمة بجهة تطوان وهو جبل كلتي الشاهق الواقع بقبيلة بني حسان. كما لا ننسى أن مالك هذه الشركة القادم من أقصى الشمال الإسباني – وبالضبط من منطقة جبال البرانس- كان له الفضل كذلك في إحداث أول دار قروية للضيوف بشمال المغرب (بقرية تملوث ببني حسان) تقدم أطباقا محلية مئة بالمئة، والتي بالمناسبة تم تجهيزها بديكور عجيب ولوحات تشكيلية ومكان للإستحمام يراعي الخصوصيات البيئية للمنطقة. في شأن مشابه، فقد كانت “كلتي روطاس” أول مقاولة سياحية شمالية تقيم معرضا فتوغرافيا متألقا يسلط الضوء على السياحة البديلة وتحصل على رخصة تهم إستغلال أول ناقلة سياحية ذات دفع رباعي (من نوع “لاندروفر ديفندر” مكيفة ومزودة ب 7 مقاعد). كما كانت هذه المقاولة رائدة أيضا في المشاركة بمعرض مدريد السياحي الدولي لدورة سنة 1999. وبعدها تمكنت من ترك صدى طيب، تمثل في لفتها أنظار عدة هيآت سياحية رسمية دولية، ناهيكم عن النقاد السياحيين ووسائل الإعلام الأوروبية – سواء منها المرئية والإلكترونية والمكتوبة.
فيما يتعلق بالخدمات، فقد استطاعت “كلتي روطاس” ولأول مرة كذلك بشمال المغرب تزويد السوق الجهوية بقائمة متنوعة من الأنشطة السياحية الجذابة والمثيرة، كمراقبة الطيور المرتحلة والمشي وركوب البهائم وسيارات الدفع الرباعي والزوارق النهرية (من صنف كياك) والإستغوار والدراجات الغابوية والصيد البحري وطواف المدن الأندلسية ومدار المواقع الأركيولوجية الشمالية، دون أن ننسى استعمالها لمطعم ومخيم نقال يسهر عليهما مرافقون سياحيون جبليون مقتدرون وطباخون بارعون في الطبخ المغربي والمتوسطي. بالإضافة إلى ذلك، فشركة “كلتي روطاس” كانت سباقة أيضا إلى طرحها في السوق السياحية الشمالية لعلبة ليلية نقالة – وهي في الأصل عبارة عن خيمة أفراح كبيرة الحجم كانت تدخل عليها تحسينات تكنولوجية وتغييرات ديكورية لتتحول على التو إلى علبة للرقص والترفيه والتلذذ بما لذ وطاب من الأكلات والحلويات والمشروبات… وللتوضيح أكثر، فهاته العلبة الليلية النقالة (التي احتضنتها عدة أماكن رائعة بمنطقة غمارة كشاطئ أزنتي ومنتزه أقشور وقرية تورارت) كانت توفر كوكتيلا من الموسيقى الالكترونية الحديثة والألعاب السحرية والنارية والعروض الموسيقية التراثية، التي تحييها فرق الدقة المراكشية وكناوة، إلى جانب فرقة فلكلورية للطقطوقة الجبلية تنتسب إلى بلدة تارغة الشاطئية. وإلى يومنا الحاضر، لا زال العديد من آهالي الأماكن السالفة الذكر يتذكرون بإعتزاز وإفتخار تلك الأمسيات الملاح التي احتضنتها تلك “الخيمة النموذجية” التي كانوا يستدعون بدورهم إليها لمشاركة السياح الأجانب سهرتهم، حتى يزداد الجو سرورا، وحتى يعم جو من الانفتاح بين “الآخر” القادم من الغرب والساكنة المسقبلة.
في غضون ذلك، وقبل أن تطل علينا وزارة السياحة سنة 2007 بمخططها المعنون “بميثاق السياحة المسؤولة” والتي حددت فيه مجموعة من الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها أثناء أية خدمة سياحية مع عقد العزم على تخصيص جائزة سنوية تقديرية للشغيلة والشركات السياحية والمطارات وشركات النقل الحضري الحارصة على الإلتزام بمبادئ هذا الميثاق، فقد كانت شركة “كلتي روطاس” سباقة إلى نشر مطويات وأقراص مدمجة هدفها استمالة السياح المنضبطين مع مد الشركات الأجنبية السياحية القادمة بزبنائها إلى المغرب بالنصائح الميدانية الواجب الأخذ بها أثناء القدوم إلى أي وجهة سياحية مغربية.
وأشير كذلك أن هاته الشركة عندما قررت الدخول في هذه المغامرة كان دورها الأسمى يتمثل في التعريف بمؤهلات شمال المغرب الفريدة من نوعها (البيولوجية والجيولوجية والتراثية) وإشهارها عالميا، ناهيك عن إنفتاحها على جميع الهيآت والجمعيات التي تتوازى فلسفتها مع المبادئ النبيلة للمنظمة العالمية للسياحة، ودون أن ننسى قرار هاته الشركة تحد طاغوت تطوان السياحي أنداك المتمثل في مالكي البزارات. ويبقى كل هذا غيض من فيض الأعمال الطلائعية التي أتت بها هاته الشركة والتي انطفأت شمعتها للأسف الشديد سنة 2003 بسبب إكراهات ميدانية عديدة، وبعدها أطلت علينا منظمات إيطالية وكتلانية مختصة في السياحة وعاملة بشمال المغرب، والتي لم نجني منها سوى نهب الأرصدة المالية والإساءة لوحدتنا الترابية – لكن…أكيد أن للناس فيما يعشقون مذاهب!!!
أما في يومنا الحاضر وحرصا على أهمية دور المقاولة الصغرى والمتوسطة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية فنجد أن ميدان السياحة البديلة بشمال المغرب أصبح ورشا مفتوحا في وجه مستثمرين محليين شباب أصروا بثبات على مواصلة رحلتهم المقاولاتية، بغية الحصول على تطلعات تحميهم من آفات وعوادي الزمان وجحيم العطالة – رغم ما يكتنف هذه الأوديسية السياحية من مشاق، أولها يبدأ بالإجراءات التعسفية والعنف النسوي الذي تمارسه في حقهم موظفات تابعات لمديرية المالية ومكتب الضبط بالمحكمة الإبتدائية، مرورا بالعراقيل الإدارية التي تعترضهم من طرف المسؤولين السياحيين الجهويين…وأخيرها ينتهي بالصعاب التجارية والمالية التي تفرضها عليهم شركة فرعونية إسمها “اتصالات المغرب”، إلى جانب الخبراء المحاسبين وتقنيي خدمات الإنترنيت – الذين يطلبون دوما مبالغ باهضة وتفوق المستوى المادي للشباب المبتدئ…
لكن رغم هذه النقط السوداء، فما علينا إلا أن نستبشر بظهور عدة مقاولات ترفيهية ودور ضيافة ونزل قروية ومطاعم وتعاونيات مختصة في تسويق منتوجات بديلة والتي أعطت لا محالة قيمة مضافة لقطاع السياحة البديلة بشمال المغرب، كما استطاعت إلى حد كبير تكسير ظاهرة الموسمية السياحية التي يعرفها شمال المغرب والمتجلية في السياحة الشاطئية. زيادة على ما سبق، أصبحنا نجد أن بعض المركبات السياحية انتبهت مؤخرا إلى الثغرات الخدماتية التي كانت ترتكبها وأصبحت توفر لزبنائها فرصة القيام بأنشطة سياحية بديلة (سواء في المدن أو في المناطق الخلوية) ويقوم بتأطيرها مرشدون جبليون رسميون ومرافقون سياحيون يشهد لهم الجميع بكفاءتهم المهنية. ومن أمثلة المركبات التي مكنت أخيرا زبناءها من هذه الفرصة أذكر فندق الموحدين بطنجة ومركبي البحر الأبيض المتوسط وسوفتيل بالساحل التطواني.
وفي الختام أؤكد مجددا أن السياحة البديلة أصبحت في يومنا الحاضر من أفضل المنتجات السياحية التي يفتخر بها شمال المغرب، مما سمح للجهة أن تتحول تدريجيا إلى وجهة إستقطاب سياحي- وليس فقط محطة عبور…!!! كما استطاعت هذه السياحة التنموية أن تحقق رقم معاملات جيد وفي ظرف قياسي، رغم تضييق الخناق عليها من طرف لوبي محلي وكذلك مافيا قادمة من سبتة، معروفة لدى العادي والبادي ووصل صيتها (ليس فقط إلى مديريات ومصالح مركزية عديدة بوزارة السياحة) بل حتى إلى ديوان وزير السياحة الإسباني وديوان الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية. كما أغتنم الفرصة لتوجيه تشكراتي إلى مسؤولي قسم السياحة القروية بالرباط الذين قرروا في نهاية المطاف إصلاح السلبيات السياحية التي ارتكبها كل من منسقي إحدى المنظمات الإيطالية بمعية موظفين سابقين بوكالة تنمية الشمال.
وفيما يتعلق بالسياحة المغربية البديلة فهناك شبه إجماع صادر من طرف مجموعة من المختصين الذين يفندون كون الجذور الأولى لهذه السياحة الجميلة يعود إلى حقبة السبعينيات. حيث منطقتي الأطلس الكبير والمتوسط هما النقطتان اللتان انطلقت منهما الخطوات الأولى لهذا الصنف من السياحة، بفضل جهود مجموعة من الأجانب المقيمين أنذاك بالمغرب وبفضل أسفار واكتشافات ومغامرات نخبة من السياح القادمين من فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة – الذين كانوا يجدون في حميمية الأسر الأمازيغية الجبلية المستضيفة والفضاءات الأطلسية المغربية جوا رومانسيا بديعا يعزلهم عن توترات وضجيج الحياة اليومية ويبعدهم مؤقتا عن شباك النفاق المجتمعاتي الغربي. أما من الجانب الرسمي، فإن بوادر نهوض الوزارة الوصية بالسياحة التنموية القروية تعود إلى سنة 1983، وبالضبط عندما قررت عدة لجن وزارية بشراكة مع الدولة الفرنسية إحداث منتوج سياحي بديل بأعالي سلسلة الأطلس الكبير، تلاه سنة 1987 مخطط إستراتيجي ثاني ينص على هيكلة وإعادة تأهيل عدة وحدات نموذجية للإيواء وإنعاش الصناعة التقليدية، مع شق طرق ومسالك لفك العزلة عن بعض القرى المستقبلة للوافدين ووضع لوحات للتوجيه والإرشاد السياحي، دون أن ننسى برمجة مشروع يروم تكوين مرافقين سياحيين جبليين رسميين وقيام المكتب الوطني المغربي للسياحة بحملات إشهارية مكثفة في الخارج لصالح السياحة الوطنية البديلة.
أما بالنسبة لشمال المملكة فقد عرف بدوره (ولكن بنوع من التأخير) ظهور هذا النموذج الجديد من السياحة مع بداية الألفية الثالثة بفضل مساهمة برنامج الأمم المتحدة للتنمية ووكالة تنمية الشمال ووزارة التجهيز والمندوبية السامية للمياه والغابات ووزارة السياحة والغرف المهنية وبعض الجمعيات المحلية ومنظمات أمريكية وألمانية وكندية، إضافة إلى صندوق الدعم الأوروبي. ويبقى أول عمل ميداني يهم السياحة الشمالية البديلة هو إنجاز دراسات جدوى للعديد من المناطق كتطوان والشاون وإصلاح العديد من المعالم الأثرية والهندسية، تلته إعادة هيكلة العديد من المنتزهات والمنتجعات ذات المعطيات السياحية والطبيعية الهائلة كبوهاشم ومحفورة والحوز وبني عروس وتلسمطان وغرغيز وأقشور وتنقوب. وقد كان من ثمرة هذه الهيكلة شق العديد من الطرق الجبلية وتشجير العديد من المناطق وربطها بالشبكة الكهربائية ومدها بقنوات الصرف الصحي، ثم تشييد مجموعة من باحات الاستراحة والملاجئ والمآوي السياحية القروية، مع تزويدها بنظم طاقية بديلة…مما سمح لمنطقتنا الشمالية احتضان زوار بديلين جدد (مغاربة وأجانب) وإحتضان محاضرات ولقاءات وتظاهرات رياضية وبيئية دولية كراليات المشي وسباقات الدراجات الغابوية. ولتنمية هذا القطاع فيما يخص الموارد البشرية، فقد قررت مؤخرا وزارة السياحة إلحاق وفد من شباب المنطقة (ابتداء من شتنبر المقبل) بالمركز الرسمي لتكوين مرشدي الجبال الكائن مقره بقرية تبانت بإقليم أزيلال، حتى يتسنى لهم مزاولة عملهم طبقا للنصوص والتشريعات القانونية. ولتحسين جودة المنتوج والخدمات المقدمة للسائح فقد أصبح بمستطاع الراغبين في العمل بقطاع السياحة الإلتحاق بالمعهد الفندقي والسياحي تمودا باي المتواجد بمرينا سمير. وفي شأن مشابه، فقد بدأت تنظم عدة ورشات تدريبية لفائدة مالكي الدور القروية والنزل السياحية من أجل تكوينهم في شؤون الطبخ والنظافة والوقاية والإشهار والتسيير وتسويق مواد أولية ثمينة كالعسل الحر والزيوت العطرية ومشتقات حليب المعز. كما أتيحت للعديد من شباب المنطقة فرص أخرى لحضور أوراش نظرية عديدة تهم الترفيه في الفضاءات الخضراء ونشر مطويات وكتيبات معلوماتية تطبيقية – والمنظمة من قبل الجامعة الملكية المغربية للتزحلق ورياضة الجبل والفيدرالية الأوروبية لرياضة المشي.
وحسب نظرة تجارية ومهنية صرفة، فإن أول شركة طفت على السطح وتخصصت في السياحة القروية والثقافية البديلة لم تظهر بشفشاون (خلافا لما يدعيه العديد من ناكري الجميل) بل برزت بمدينة تطوان، وكان مقرها بشارع موريطانيا. هذه المقاولة كانت تحمل إسم “كلتي روطاس”، تيمنا بأعلى قمة بجهة تطوان وهو جبل كلتي الشاهق الواقع بقبيلة بني حسان. كما لا ننسى أن مالك هذه الشركة القادم من أقصى الشمال الإسباني – وبالضبط من منطقة جبال البرانس- كان له الفضل كذلك في إحداث أول دار قروية للضيوف بشمال المغرب (بقرية تملوث ببني حسان) تقدم أطباقا محلية مئة بالمئة، والتي بالمناسبة تم تجهيزها بديكور عجيب ولوحات تشكيلية ومكان للإستحمام يراعي الخصوصيات البيئية للمنطقة. في شأن مشابه، فقد كانت “كلتي روطاس” أول مقاولة سياحية شمالية تقيم معرضا فتوغرافيا متألقا يسلط الضوء على السياحة البديلة وتحصل على رخصة تهم إستغلال أول ناقلة سياحية ذات دفع رباعي (من نوع “لاندروفر ديفندر” مكيفة ومزودة ب 7 مقاعد). كما كانت هذه المقاولة رائدة أيضا في المشاركة بمعرض مدريد السياحي الدولي لدورة سنة 1999. وبعدها تمكنت من ترك صدى طيب، تمثل في لفتها أنظار عدة هيآت سياحية رسمية دولية، ناهيكم عن النقاد السياحيين ووسائل الإعلام الأوروبية – سواء منها المرئية والإلكترونية والمكتوبة.
فيما يتعلق بالخدمات، فقد استطاعت “كلتي روطاس” ولأول مرة كذلك بشمال المغرب تزويد السوق الجهوية بقائمة متنوعة من الأنشطة السياحية الجذابة والمثيرة، كمراقبة الطيور المرتحلة والمشي وركوب البهائم وسيارات الدفع الرباعي والزوارق النهرية (من صنف كياك) والإستغوار والدراجات الغابوية والصيد البحري وطواف المدن الأندلسية ومدار المواقع الأركيولوجية الشمالية، دون أن ننسى استعمالها لمطعم ومخيم نقال يسهر عليهما مرافقون سياحيون جبليون مقتدرون وطباخون بارعون في الطبخ المغربي والمتوسطي. بالإضافة إلى ذلك، فشركة “كلتي روطاس” كانت سباقة أيضا إلى طرحها في السوق السياحية الشمالية لعلبة ليلية نقالة – وهي في الأصل عبارة عن خيمة أفراح كبيرة الحجم كانت تدخل عليها تحسينات تكنولوجية وتغييرات ديكورية لتتحول على التو إلى علبة للرقص والترفيه والتلذذ بما لذ وطاب من الأكلات والحلويات والمشروبات… وللتوضيح أكثر، فهاته العلبة الليلية النقالة (التي احتضنتها عدة أماكن رائعة بمنطقة غمارة كشاطئ أزنتي ومنتزه أقشور وقرية تورارت) كانت توفر كوكتيلا من الموسيقى الالكترونية الحديثة والألعاب السحرية والنارية والعروض الموسيقية التراثية، التي تحييها فرق الدقة المراكشية وكناوة، إلى جانب فرقة فلكلورية للطقطوقة الجبلية تنتسب إلى بلدة تارغة الشاطئية. وإلى يومنا الحاضر، لا زال العديد من آهالي الأماكن السالفة الذكر يتذكرون بإعتزاز وإفتخار تلك الأمسيات الملاح التي احتضنتها تلك “الخيمة النموذجية” التي كانوا يستدعون بدورهم إليها لمشاركة السياح الأجانب سهرتهم، حتى يزداد الجو سرورا، وحتى يعم جو من الانفتاح بين “الآخر” القادم من الغرب والساكنة المسقبلة.
في غضون ذلك، وقبل أن تطل علينا وزارة السياحة سنة 2007 بمخططها المعنون “بميثاق السياحة المسؤولة” والتي حددت فيه مجموعة من الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها أثناء أية خدمة سياحية مع عقد العزم على تخصيص جائزة سنوية تقديرية للشغيلة والشركات السياحية والمطارات وشركات النقل الحضري الحارصة على الإلتزام بمبادئ هذا الميثاق، فقد كانت شركة “كلتي روطاس” سباقة إلى نشر مطويات وأقراص مدمجة هدفها استمالة السياح المنضبطين مع مد الشركات الأجنبية السياحية القادمة بزبنائها إلى المغرب بالنصائح الميدانية الواجب الأخذ بها أثناء القدوم إلى أي وجهة سياحية مغربية.
وأشير كذلك أن هاته الشركة عندما قررت الدخول في هذه المغامرة كان دورها الأسمى يتمثل في التعريف بمؤهلات شمال المغرب الفريدة من نوعها (البيولوجية والجيولوجية والتراثية) وإشهارها عالميا، ناهيك عن إنفتاحها على جميع الهيآت والجمعيات التي تتوازى فلسفتها مع المبادئ النبيلة للمنظمة العالمية للسياحة، ودون أن ننسى قرار هاته الشركة تحد طاغوت تطوان السياحي أنداك المتمثل في مالكي البزارات. ويبقى كل هذا غيض من فيض الأعمال الطلائعية التي أتت بها هاته الشركة والتي انطفأت شمعتها للأسف الشديد سنة 2003 بسبب إكراهات ميدانية عديدة، وبعدها أطلت علينا منظمات إيطالية وكتلانية مختصة في السياحة وعاملة بشمال المغرب، والتي لم نجني منها سوى نهب الأرصدة المالية والإساءة لوحدتنا الترابية – لكن…أكيد أن للناس فيما يعشقون مذاهب!!!
أما في يومنا الحاضر وحرصا على أهمية دور المقاولة الصغرى والمتوسطة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية فنجد أن ميدان السياحة البديلة بشمال المغرب أصبح ورشا مفتوحا في وجه مستثمرين محليين شباب أصروا بثبات على مواصلة رحلتهم المقاولاتية، بغية الحصول على تطلعات تحميهم من آفات وعوادي الزمان وجحيم العطالة – رغم ما يكتنف هذه الأوديسية السياحية من مشاق، أولها يبدأ بالإجراءات التعسفية والعنف النسوي الذي تمارسه في حقهم موظفات تابعات لمديرية المالية ومكتب الضبط بالمحكمة الإبتدائية، مرورا بالعراقيل الإدارية التي تعترضهم من طرف المسؤولين السياحيين الجهويين…وأخيرها ينتهي بالصعاب التجارية والمالية التي تفرضها عليهم شركة فرعونية إسمها “اتصالات المغرب”، إلى جانب الخبراء المحاسبين وتقنيي خدمات الإنترنيت – الذين يطلبون دوما مبالغ باهضة وتفوق المستوى المادي للشباب المبتدئ…
لكن رغم هذه النقط السوداء، فما علينا إلا أن نستبشر بظهور عدة مقاولات ترفيهية ودور ضيافة ونزل قروية ومطاعم وتعاونيات مختصة في تسويق منتوجات بديلة والتي أعطت لا محالة قيمة مضافة لقطاع السياحة البديلة بشمال المغرب، كما استطاعت إلى حد كبير تكسير ظاهرة الموسمية السياحية التي يعرفها شمال المغرب والمتجلية في السياحة الشاطئية. زيادة على ما سبق، أصبحنا نجد أن بعض المركبات السياحية انتبهت مؤخرا إلى الثغرات الخدماتية التي كانت ترتكبها وأصبحت توفر لزبنائها فرصة القيام بأنشطة سياحية بديلة (سواء في المدن أو في المناطق الخلوية) ويقوم بتأطيرها مرشدون جبليون رسميون ومرافقون سياحيون يشهد لهم الجميع بكفاءتهم المهنية. ومن أمثلة المركبات التي مكنت أخيرا زبناءها من هذه الفرصة أذكر فندق الموحدين بطنجة ومركبي البحر الأبيض المتوسط وسوفتيل بالساحل التطواني.
وفي الختام أؤكد مجددا أن السياحة البديلة أصبحت في يومنا الحاضر من أفضل المنتجات السياحية التي يفتخر بها شمال المغرب، مما سمح للجهة أن تتحول تدريجيا إلى وجهة إستقطاب سياحي- وليس فقط محطة عبور…!!! كما استطاعت هذه السياحة التنموية أن تحقق رقم معاملات جيد وفي ظرف قياسي، رغم تضييق الخناق عليها من طرف لوبي محلي وكذلك مافيا قادمة من سبتة، معروفة لدى العادي والبادي ووصل صيتها (ليس فقط إلى مديريات ومصالح مركزية عديدة بوزارة السياحة) بل حتى إلى ديوان وزير السياحة الإسباني وديوان الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية. كما أغتنم الفرصة لتوجيه تشكراتي إلى مسؤولي قسم السياحة القروية بالرباط الذين قرروا في نهاية المطاف إصلاح السلبيات السياحية التي ارتكبها كل من منسقي إحدى المنظمات الإيطالية بمعية موظفين سابقين بوكالة تنمية الشمال.
منقول
بلدان المغرب العربي أو شمال إفريقيا لها مؤهلات هائلة تجعلها رائدة في السياحة لعالمية
ردحذفعروض أوروبا السياحية